كثيرًا ما نسمع من يقول: “الاكتئاب سببهُ البُعد عن الخالق، أو ضعفٍ في العبادة، أو قلّة الرِّضا عن الحياة.”
هذه النظرة، رغم شيوعها، لا تعكس حقيقة الاكتئاب ولا تُنصِف من يعانون منه. فالاكتئاب ليس نقصًا في الإيمان ولا ضَعفًا في الإرادة، بل هو اضطراب نفسي معقّد، قد تنشأ أسبابه من عوامل بيولوجيّةٍ داخل الدّماغ، أو صدماتٍ نفسيّة مرّ بها الإنسان، أو ضغوطٍ حياتية واجتماعية متراكمة.
وكأخصائية نفسيّة، عايَشت الاكتئاب ورافَقَت مرضاه، أعلمُ من صميم قلبي أن ربطه فقط بالجانب الروحي قد يترك المريض في دائرة من الذنب والشعور بالتقصير، بدلًا من أن يمنحه فهمًا أعمق لحالته.
في هذا المقال سنسعى لتوضيح الصورة الحقيقية التي تهدم صنم الصورة الشائعة عن الاكتئاب: ما هي الأسباب الفعلية للاكتئاب؟ كيف تتداخل العوامل النفسية والجسدية والاجتماعية في ظهوره؟ ولماذا يكون بعض الأشخاص أكثر عُرضةً من غيرهم؟
ما هي أسباب الاكتئاب؟ حين يُرهق العقل القلب
الاكتئاب ليس مجرد حالةٍ مزاجيّة عابرة، بل يرتبط في كثيرٍ من الأحيان بخللٍ في الناقلات العصبية في الدماغ مثل السيروتونين والدوبامين، وهي المواد المسؤولة عن توازن المشاعر.
لكن الصورة لا تكتمل هنا فقط؛ فالأسباب متعددة ومتداخلة: قد تكون نفسية مثل الصدمات العاطفية، أو اجتماعية مثل العزلة والوحدة، أو بيولوجية كاضطراب الهرمونات، أو وراثية حين يكون في العائلة تاريخ مرضي بالاكتئاب.
تخيّل مثلًا شابًا فقد وظيفته (سبب اجتماعي)، أو أمًا تعاني من اضطراب ما بعد الولادة (سبب بيولوجي)، أو شخصًا نشأ في بيئة مليئة بالعنف (سبب نفسي)، أو آخر لديه قريب من الدرجة الأولى مصابٌ بالاكتئاب (سبب وراثي). فالأسباب قد تكون متداخلة ومتعددة لدى الشخص نفسه، وقد تختلف من شخصٍ لآخر حتى ولو كانوا من نفس الفئة.
لدرجة أن أسباب الاكتئاب قد تختلف في التوأم المتطابق عن التوأم غير المتطابق، رغم أن كلاهما يتشاركان نفس الجينات، ففي دراسة لجوردون سمولر أثبتت أن اضطراب الاكتئاب لدى التوائم قد تظهر فيه العوامل الوراثية بنسبة 30-50% فقط لا غير.
أسباب الاكتئاب حسب الفئة
في “استرحت” نسعى دائمًا لكسر الصورة النمطية عن الاضطرابات النفسية والمشكلات السلوكية، ونحاول جاهدين أن نصل بِكَ إلى الوعي الذاتي بنفسك، ومن هُنا كان من المهم أن تحدد بالضبط أي نوعٍ من الأشخاص أنت؟ ونبدأ في تشريح الاكتئاب تبعًا لحالتك.. فمثلًا ستختلف أسباب الاكتئاب من الرجال إلى النساء، ومن الموظفين إلى العاطلين عن العمل، كما تختلف الأسباب في فئة المراهقين عن فئة كبار السن.
لنبدأ الآن في تشريح أسباب الاكتئاب عند النساء:
أسباب الاكتئاب عند النساء، لستِ وحدكِ في هذه الرحلة
نحن النساء أكثر عرضةً للاكتئاب بسبب الضغوط العاطفية المتكررة، والتي -بالمناسبة- تبدأ من لحظة تخصيب البويضة ووراثة الجينات الوالدية، ثم الميلاد مرورًا بالعديد من ضغوط الحياة، مثل فقدان العلاقات أو التعرض للعنف النفسي، إضافة إلى الميل للتفكير المفرط والقلق المزمن الذي يزيد من شدة المشاعر السلبية.
رُغم أن الله -سبحانه وتعالى- قد خصّ النساء في الأمر بالإحسان إليهنّ، ومنع الحزن عنهنّ، كما في قوله:
{وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي} القصص-٦ يظلّ غالبية الناس يرون أن النساء تبالغنّ في مشاعرهنّ أو حزنهنّ، فهو وحده الأعلم بما قد تركبَت أجسادهنّ، بدايةً من:
الجسد يتكلم… كيف ينعكس التعب الجسدي على النفس؟
الأسباب البيولوجية للاكتئاب عند النساء
التغيرات الهرمونية المرتبطة بالدورة الشهرية، الحمل، فترة ما بعد الولادة، وسن اليأس تجعل النساء أكثر حساسية للاكتئاب، خاصةً عند وجود خللٍ في الناقلات العصبية أو أمراض هرمونية، مثل: اضطرابات الغدة الدرقية.
الحمل ليس دائمًا سعادة… وجوه خفية لاكتئاب الحمل
أسباب اكتئاب الحمل، واكتئاب ما بعد الولادة معقدةٌ للغاية وينشآن من تداخل بين عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية.
- فمن الناحية البيولوجية، تؤدي التغيرات الكبيرة في هرموني الإستروجين والبروجستيرون أثناء الحمل وبعد الولادة إلى تأثير مباشر على الناقلات العصبية في الدماغ المسؤولة عن المزاج، مثل السيروتونين والدوبامين.
- أما نفسيًا، فإن القلق المستمر بشأن صحة الجنين، والخوف من تجربة الولادة، وتغير صورة الجسد، كلها عوامل تزيد من الضغط النفسي أثناء الحمل.
- بعد الولادة، قد تشعر الأم باضطراب في التوازن النفسي نتيجة قلة النوم والإرهاق البدني، وصعوبة التكيف مع المسؤوليات الجديدة، مما يفتح المجال لظهور أعراض الاكتئاب.
- ولا يمكن إغفال الجانب الاجتماعي، حيث إن غياب الدعم العاطفي أو الأسري، أو وجود خلافات زوجية أو ضغوط مالية، كلها تزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب في هذه المرحلة الحساسة.
- وأخيرًا، يُعد وجود تاريخ شخصي أو عائلي للاكتئاب أو القلق من أبرز عوامل الخطورة التي تجعل بعض النساء أكثر عرضة لهذه الحالة من غيرهن، وقد يحتجن إلى تناول حبوب الاكتئاب في أسرع وقت ممكن.
لا تنتظر ي حتى يزداد شعوركِ بالحزن، أجرِ اختبار الاكتئاب الآن لتعرفي حالتكِ وتجدين الدعم المناسب
من الضغوط الأسرية إلى الألم المزمن.. الأسباب الاجتماعية للاكتئاب
التوقعات المجتمعية العالية، ضغوط رعاية الأسرة والأطفال، والتعرض لتمييز أو قلة دعم في بيئات العمل، كلها عوامل تزيد من عبء المرأة النفسي وتجعلها أكثر عرضة للاكتئاب.
وليست فقط للمتزوجة، بل أيضًا الفتاة الشابة قد تعاني من ضغوط اجتماعية في الأسرة، عدم التفاهم بين أفرادها، والاختلافات الشخصية في كل فرد يزيد من أسباب حدوث الاكتئاب.. والأم تزداد ضغوطها الاجتماعية والأسرية منذ لحظة الزواج، وإنجاب الطفل الأول.
“دائمًا أُفكر، هل سأكون أمٌ جيدة لأطفالي؟ هل أنا زوجة سوية؟ هل سأكون على قدر المسؤولية؟ هل أطفالي سيُعانون من مشكلات نفسيةٍ أكون أنا السبب فيها؟” كل هذه الأسئلة تجول في خاطر كل امرأة ليل نهار، تُسبب لها حزنًا قد يتحول إلى اكتئابٍ إن أثر في حياتها اليومية وعلى مهامها.
ولذلك دائمًا ستجدين الدعم النفسي الذي يُعاونكِ على فهم أفكاركِ ومشاعركِ وحُسن التعامل معها في تطبيق “استرحت” مع أحد المتخصصين النفسيين على مدار الساعة.
الأسباب الوراثية، ليست كلّ الجينات مرغوبة!
قلتُ سابقًا أن العوامل الوراثية تبدأ منذُ لحظة الإخصاب، فالأنثى تأخذ جيناتها من أبويها، والتي تحتوي على ملايين الخلايا، والنواقل العصبية التي تتطور فيما بعد.. فماذا لو كانت الأم أو الأب قد أُصيبت بالاكتئاب؟ أو لديهلا استعداد وراثي آخر للإصابة به؟ هنا قد تزداد فرص العوامل الوراثية لإصابتك أيضًا.
فوجود تاريخ عائلي من الاكتئاب أو الاضطرابات المزاجية يضاعف من احتمالية إصابة النساء بالاكتئاب، حيث تلعب الجينات دورًا في زيادة القابلية للإصابة بالاضطراب. في بعض الدراسات تشير إلى أن قابلية الاكتئاب للوراثة تتراوح بين 30% إلى 52% لدى النساء، اعتمادًا على شدة الاكتئاب. هذا يعني أن جزءًا كبيرًا من خطر الإصابة بالاكتئاب يمكن تفسيره بالعوامل الوراثية.
وباختصار لنجمع أسباب الاكتئاب عند النساء في هذا الجدول:
أسباب الاكتئاب عند النساء | |||
أسباب بيولوجية وجسدية | أسباب اجتماعية وبيئية | أسباب وراثية | أسباب نفسية |
خلل في الناقلات العصبية. | العزلة والوحدة أو فقدان الدعم الاجتماعي. | وجود عامل وراثي عائلي من الاكتئاب. | الصدمات العاطفية في الطفولة. |
العنف المنزلي الأسري المستمر. | |||
التغيرات الهرمونية الدائمة. | البطالة أو الضغوط المالية. | الاستعداد الجيني للتأثر بالضغوط. | القلق المزمن والإفراط في التفكير السلبي. |
اضطرابات النوم والإرهاق البدني. | الانفصال أو مشاكل الأمومة والتربية. | عوامل وراثية مرتبطة بتنظيم الهرمونات. | عدم القدرة على التكيف مع الضغوط اليومية. |
أمراض مزمنة مثل السكري أو القلب. | فقدان شخص عزيز أو وفاة الشريك. | ضعف تقدير الذات وجلد النفس. |
في النهاية، الاكتئاب عند النساء قد تكون له أسباب كثيرة ومتشابكة، لكن هذا لا يعني أن المُعاناة قدرٌ لا يتغير.
إدراككِ الأسباب يساعدكِ على فهم نفسكِ أكثر، وعلى أن تعطي نفسكِ الحق في الراحة وطلب المساندة، فمن الطبيعي أن تمرّي بلحظاتِ ضعفٍ، ومن حقكِ أن تجدي من يستمعُ إليكِ ويدعمكِ دون حكم.
تذكري دائمًا أن طلب المساعدة خطوة قوة، وأنك تستحقين حياة أهدأ وأقرب لطمأنينتك الداخلية، ونحن دائمًا هنا بقُربكِ، كلُّ ما عليكَ فعلهُ هو تحميل تطبيق “استرحت” والتحدث مع متخصص نفسي.
بين ضغوط المجتمع وأعباء المسؤولية… أسباب اكتئاب الرجال
جلسَ أمامي في إحدى الجلسات، بدا عليه التعب أكثر من الكلام. قال بصوت متردد: “أنا رجل، والمفترض أن أكون قويًا، لا أبكي ولا أضعف، لكنني أشعر أنني أنزف من الداخل كل يوم.”، كان يصف كيف أن الضغوط الاجتماعية تُثقِل كاهِلهِ؛ فهو مُطَالب دائمًا بأن يكون المُعيل القوي الذي لا ينهار، بينما في داخله خوف وقلق لا ينقطعان.
أوضحَ أنه كلما حاول التحدُّث عن مشاعره، سمع جملة: تحمّل، أنت رجل. هذه الصورة النمطية جعلته يخفي آلامه، حتى وجد نفسه غارقًا في عزلة وصمت، يزيدان اكتئابه بدل أن يخففا عنه.
وتقترح بعض النتائج التي نشرتها المجلة الأمريكية للطب النفسي وجود اختلافات مهمة بين الرجال والنساء في أسباب الاكتئاب، إلا أن ذلك لا يعني أن الرجال محصنين ضد الأمراض النفسية، فقد أظهرت الدراسات أن الذكور أكثر حساسية من النساء للتأثيرات الصحية التقدمية للعزلة والوحدة الاجتماعية، وهذا قد يزيد من خطر إصابتك بالاكتئاب.
أسباب الاكتئاب عند الرجال | |||
أسباب بيولوجية وجسدية | أسباب اجتماعية وبيئية | أسباب وراثية | أسباب نفسية |
تغيرات كيميائية في الدماغ. | ضغوط العمل والاحتراق الوظيفي وعدم الاستقرار المهني. | وجود استعداد وراثي للإصابة بالاضطرابات المزاجية. | نمط تفكير سلبي مستمر، تشخيص ذاتي مستمر. |
اضطرابات هرمونية لأسباب مرضية. | العزلة الاجتماعية والانفصال الأسري. | بعض الجينات تزيد حساسية الفرد للضغوط أو تقلل من قدرته على التعامل مع التوتر. | انخفاض تقدير الذات وقلة الثقة في النفس. |
الأمراض المزمنة، القلقب، السكري. | المعايير الاجتماعية التي تفرض صورة “القوة” وعدم التعب. | تاريخ العائلة من الاكتئاب أو اضطرابات المزاج. | صدمات سابقة: إساءة، صدمة، فقدان، أو تجارب صادمة. |
الأرق أو النوم غير المنتظم يؤثر سلباً على المزاج. | التغيرات الحياتية الكبرى: فقدان وظيفة، وفاة شريك، انفصال. | وجود أمراض وراثية أخرى كالتصلب العصبي أو اضطرابات القلق. | اضطرابات الصحة النفسية: القلق، اضطرابات النوم، اضطرابات الأكل، أو اضطرابات ما بعد الصدمة التي تزيد من مخاطر الاكتئاب. |
الإجهاد البدني والاعتماد على المنشطات أو المواد المخدرة. | نقص الدعم العاطفي. | صعوبات في التعبير عن المشاعر أو طلب المساعدة. | |
وجود بيئة منزلية سامة أو عنيفة. |
الرجال قد يواجهون وصمة اجتماعية أكبر في طلب المساعدة، مما يؤثر على تشخيصهم وعلاج الاكتئاب لديهم في وقت مُبكر، ولكن لا تقلق! فريق “استرحت” يتفهّم تمامًا ما تمُر به، وستجد الدعم النفسي المناسب على بُعد خُطوةٍ واحدةٍ منك.
طلب المساعدة ليس ضعفًا، بل هو خطوةٌ شجاعة نحو العافية النفسية. لكل شخص الحق في أن يُستمع إليه وأن يلقى التفهم والدعم دون حكمٍ أو لوم.
عندما نواجه صعوبات عاطفية أو ضغوطًا نفسية، يصبح البحث عن الدعم المهني أو العائلي وسيلة ضرورية لتخفيف الألم وإيجاد حلول عملية تساعدنا على استعادة توازننا الداخلي.
الاعتراف بالحاجة للمساعدة والقبول بها يمنحك فرصة للنمو والتعافي بطريقة صحية وآمنة، وهذا يشمل أيضًا إدراك أن الحديث عن المشاعر والمخاوف، سواء مع مختصٍ نفسي عبر تطبيق “استرحت” أو مع شخصٍ مقرب موثوق، يعزز الشعور بالارتياح ويقلل من تأثير الضغوط النفسية اليومية، كما يساعد على بناء شبكة دعمِِ قوية تقف إلى جانب الشخص في أوقات ضعفه وقوته على حد سواء.
المراهقة ليست دائمًا براءة… وجوه خفية للحزن العميق
أسباب الاكتئاب عند المراهقين
قد تشعر أحيانًا أنك غارقٌ في مشاعرك ولا تستطيع تفسير ما تمرُّ به، وهذا أمر ٌطبيعي في مرحلة مليئة بالتغيرات مثل مرحلة المراهقة.
صحيحٌ أن الاكتئاب قد يُصيب مختلف الأعمار، لكن هناك أسبابٌ خاصة بكم أنتم فئة الشباب الصغار، مثل: التنمر، أو المقارنات المستمرة بالآخرين، أو حتى الضغوط الناتجة من وسائل التواصل الاجتماعي. هذه التحديات لا تقلل من قيمتك، لكنها إشارات تستحق أن تنتبه لها وتطلب الدعم عند الحاجة.
مرحلة المراهقة ليست سهلة على الأبناء ولا على الوالدين، فهي مليئة بالتقلبات النفسية والجسدية. صحيح أن الاكتئاب قد يظهر في أي عمر، لكن عند المراهقين هناك أسباب خاصة مثل التنمر، الشعور بالاختلاف عن الأقران، أو الانغماس المفرط في العالم الافتراضي.
وعي الأهل بهذه الأسباب وفتح مساحة آمنة للحوار مع أبنائهم قد يكون أول خطوة لحمايتهم من الغرق في مشاعر العزلة والحزن.
الأسباب البيولوجية والجسدية، حين يتحدث الجسد بصوت مكتوم
من الطبيعي أن تشعر أحيانًا أنك وحدك في مواجهة ما تمر به، لكنك لست وحدك. الاكتئاب عند المراهقين مشتركٌ مع باقي الفئات العمرية، لنتناول بعضها في السطور التالية:
- الكيمياء الدماغية ورالنواقل العصبية:
تقوم الناقلات العصبية بنقل الإشارات بين الخلايا العصبية حتى تُنظِّم المزاج، وأييُّ اختلالٍ في توازن هذه المواد مثل السيرتونين، النورإبينفرين، الدوبامين، يجعل من تطور الاكتئاب أمرًا سهلًا لدى المراهقين، خاصةً وأن هذه الفئة حساسة للحالات المزاجية المختلفة.
- التغيرات الهرمونية والبلوغ:
تخيل أن جسمك على مدار 24 ساعة يعمل بكفاءةٍ عالية طوال أيام السنة، وتمرُّ السنوات و وتصلُ إلى مرحلة البلوغ، فجأة تغيرات جسمك تكون أكثر من قدرته على التحمل، فيزداد إفراز الهرمونات التي تؤثر بدورها على النواقل العصبية، فتزيد من نسبة إصابتك بالاكتئاب.
وخاصةً الفتيات في مرحلة البلوغ، حيث أن تغيرات أجسادهنّ تجعلهنّ أكثر عرضةً للاكتئاب، خاصةً في فترة الدورة الشهرية وما قبلها أو بعدها.
الحديث عن هذه المشاعر وطلب المساعدة خطوة شجاعة تفتح الطريق نحو التعافي والشعور بالأمان.
الأسباب الوراثية
يمكن أحيانًا أن يكون الاكتئاب جزءًا من تاريخ العائلة. بمعنى لو كان أحد الوالدين أو حتى الأجداد مرّ بتجربة اكتئاب، من الممكن أن يزداد احتمال أنك تشعر بنفس الأعراض. هذا لا يعني أبدًا أنك محكوم عليك تعيش التجربة نفسها، لكنه يفسر لماذا أحيانًا بعض المشاعر الثقيلة لديك تكون أقوى أو أصعب من غيرك.
- الجينات عند التوائم:
يؤكدُ العلم أن الجينات لها دورٌ كبير، وقد أظهرت الدراسات على التوائم أن التوائم المتطابقة الذين يشتركون في نفس الجينات، غالبًا يكون لديهم فرصةٌ أكبر أن يُصاب أحدهم بالاكتئاب إذا أُصيب الآخر.
وهذا لا يعني أن الموضوع خارج عن إرادتك، لكنه يشرح ببساطة إن الاستعداد الوراثي يمكن أن يجعل بعض الأشخاص أضعف أمام الاكتئاب من غيرهم.
التفاعل بين الوراثة والبيئة:
حتى مع وجود استعداد وراثي، لا يظهر الاكتئاب دائمًا إلا مع ضغوط أو مواقف حياتية معينة مثل التنمر أو الخلافات أو الصدمات.
الجينات قد تفتح الباب، لكن البيئة هي التي تحدد إن كان الاكتئاب سيظهر أم لا. وهذا يعني أن ما تشعر به ليس ضعفًا منك، بل نتيجة تفاعل طبيعي بين ما ورثته وظروفك الحالية.
الأسباب النفسية
في إحدى جلسات “استرحت” مع مراهق بعمر السابعة عشر، جلس أمامي صامتًا طويلًا، ثم قال بصوت متردد:
“أحيانًا أشعر أنني لا أستحق أن أكون هنا… كأن حياتي مجرد عبء. منذُ طفولتي وأنا أحمل جروحًا لم تلتئم؛ الإهمال، الصراخ المستمر في البيت، وفقدان من كان يعني لي العالم… كلها بقيت بداخلي.”
تلك الكلمات لم تكن سهلة عليّ، لكنها لم تكن غريبة أيضًا. سمعتها كثيرًا من مراهقين جلسوا أمامي، يحملون على أعمارهم الصغيرة صدمات الطفولة المبكرة، أو آثار التنمر في المدرسة، أو شعورًا بالوحدة حتى وسط عائلاتهم.
وأضاف، وهو يحاول أن يخفي ارتجاف صوته:
“في المدرسة لم يكن الأمر أفضل… كنتُ دائمًا مختلفًا عن الآخرين. سخِروا مني، قارنوني بغيري، جعلوني أصدق أنني أقلّ منهم. حتى عندما حاولتُ الاجتهاد في دراستي، كنت أخفق… وفجأة أصبحت أكره نفسي أكثر.”
تأملت حديثه، ورأيت فيه ملامح مشتركة لقصص كثيرة: خلافات أسرية تُطفئ الشعور بالأمان، ضغوط أكاديمية تكسر الثقة بالنفس، ومشكلات مع الأصدقاء تجعل الوحدة أكثر قسوة. ومع ذلك، لم تكن هذه مجرد أحداثٍ عابرة، بل دوائر تتشابك لتغذي مشاعر العجز وتدني تقدير الذات.
لهذا أقول دائمًا لمن يمرون بهذه التجارب:
“مشاعرك حقيقية، وألمك مفهوم. ما مررت به ليس خطأك، بل ظروفٌ وضغوطٌ تراكمت حتى أثقلت قلبك. لكن الطريق لا يتوقف هنا… يمكنك أن تتحدث، أن تطلب المساندة، أن تمنح نفسك فرصة لترى أن حياتك تستحق أن تُعاش بسلام وأمان.”
وهذه كانت أهم الأسباب النفسية التي قد تعاني من الاكتئاب بسببها، ولكن تذكر أنك لست وحدك.. ونحن “فريق استرحت” بقربك في كل وقت وأيّ مكان.
وهذا دليل بسيط يؤكد لك أنك لست وحدك في مواجهة معركتك مع الاكتئاب المُظلم:
إحصائيات من منظمة الصحة العالمية (WHO, 2024):
- يعاني واحد من كل سبعة مراهقين (10-19 عامًا) من اضطراب عقلي، وهو ما يمثل 15% من العبء العالمي للأمراض في هذه الفئة العمرية.
- يُعد الاكتئاب والقلق والاضطرابات السلوكية من الأسباب الرئيسية للمرض والإعاقة بين المراهقين.
- يُعد الانتحار السبب الرئيسي الثالث للوفاة بين الفئة العمرية 15-29 عامًا.
- يُقدر انتشار اضطرابات القلق بنسبة 4.4% لدى المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10-14 عامًا، و 5.5% لدى الفئة العمرية 15-19 عامًا.
- تشير التقديرات إلى أن معدل انتشار الاكتئاب لدى المراهقين يتراوح بين 4% و 5% في منتصف إلى أواخر فترة المراهقة.
- يُقدر انتشار الاكتئاب بنسبة 1.4% لدى المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10-14 عامًا، و 3.5% لدى الفئة العمرية 15-19 عامًا.
أسباب الاكتئاب الحاد
“أحيانًا أجد نفسي أتساءل: لماذا أشعر بهذا الثقل الكبير؟ أليس من المفترض أن أكون بخير؟ لكن حين أواجه الحقيقة أكتشف أن الأمر قد يرتبط بخلل في كيمياء الدماغ، أو بضغط مستمر من البيئة من حولي، أو حتى بجراح قديمة لم تلتئم بعد. هذا التساؤل الداخلي يكشف أن أسباب الاكتئاب الحاد ليست سطحية بل أعمق مما نظن.
الفارق | الاكتئاب العادي / البسيط | الاكتئاب الحاد |
---|---|---|
الأسباب البيولوجية والجسدية | غالبًا تكون طفيفة أو مؤقتة، مثل تغيرات مؤقتة في الهرمونات أو نقص النوم | تغيرات واضحة وكبيرة في كيمياء الدماغ أو خلل في إفراز الهرمونات، مثل السيروتونين أو الكورتيزول، وقد ترتبط بأمراض مزمنة |
الأسباب النفسية | ضغوط الحياة اليومية، فقدان مؤقت للشغف أو الشعور بالإحباط من موقف معين | صدمات نفسية شديدة، فقدان كبير أو مستمر، اضطرابات شخصية أو تاريخ طويل من الصدمات النفسية |
الأسباب الاجتماعية والبيئية | ضغوط العمل أو الدراسة، صعوبات مالية بسيطة، مشاكل عابرة في العلاقات | عزلة اجتماعية مستمرة، فقدان دعم الأسرة أو الأصدقاء، بيئة مليئة بالصراعات المستمرة أو الإساءة المتكررة |
الأسباب الوراثية | غالبًا غير وراثي أو وجود قابلية طفيفة | قابلية وراثية قوية، تاريخ عائلي للاكتئاب أو الاضطرابات المزاجية |
المدة وشدة التأثير | مؤقتة، غالبًا أيام أو أسابيع، لا تعيق الوظائف اليومية بشكل كبير | طويلة، تمتد لشهور أو سنوات، تؤثر بشكل كبير على القدرة على العمل، الدراسة، والعلاقات الاجتماعية |
التفاعل مع المواقف الصعبة | يتراجع عادة مع الدعم الاجتماعي أو التخفيف من الضغوط | لا يزول بسهولة، حتى مع الدعم أو التغييرات البيئية، وقد يحتاج تدخلًا طبيًا أو نفسيًا متخصصًا |
من المهم أن نتذكر أن الاكتئاب، سواء كان بسيطًا أو حادًا، ليس علامة على ضعف الشخص أو فشله، بل هو استجابة طبيعية لضغوط الحياة أو خلل كيميائي يحتاج إلى فهم وعناية.
إذا شعرت بأن حزنك يُثقل كاهلك أو يؤثر على حياتك اليومية، فلا تتردّد في طلب الدعم من مختص نفسي عبر تطبيق “استرحت” أو التواصل مع الخطوط الساخنة السعودية المخصصة للدعم النفسي.
طلب المساعدة خطوة شجاعة نحو الشفاء والراحة النفسية، ولا يجب على أحد أن يواجه الاكتئاب بمفرده.
الأسئلة الشائعة حول أسباب الاكتئاب
-
هل يمكن أن يكون الاكتئاب وراثيًا؟
نعم، بعض الأشخاص لديهم قابلية وراثية للاكتئاب، لكن الوراثة وحدها لا تحدد الإصابة؛ تلعب البيئة والتجارب اليومية دورًا كبيرًا أيضًا
-
ما الفرق بين السبب والمحفز للاكتئاب؟
السبب هو العامل الأساسي الذي يجعل الشخص عرضة للاكتئاب، أما المحفز فهو الحدث أو الضغوط التي تؤدي لظهور الأعراض.
-
هل يمكن الوقاية من الاكتئاب بتجنب أسبابه؟
يمكن تقليل خطر الاكتئاب باتباع أساليب حياة صحية ودعم نفسي مستمر، لكن لا يمكن منع كل الحالات خاصة إذا كانت هناك عوامل وراثية أو بيولوجية.
-
ما دور نمط الحياة في حدوث الاكتئاب؟
النوم غير المنتظم، التغذية السيئة، وقلة النشاط البدني يمكن أن تزيد من احتمالية الاكتئاب، بينما نمط حياة متوازن يدعم صحة النفس والعقل.